من يخبر طرابلس ،
عن هذا الشوق المستعر في عتمة الدهشة ، حيث لا مناعة عاطفية تجاه الحنين والمكابرة الهجينة عن خوف رمادي الحواس وثائر حد العربدة ؟
القاهرة نائمة علي أسرارها ، فقط نحن مفجوعي الوطن ، الرابعة بعد منتصف الخذلان ، نواصل تتبع أخبار الموت في مدن أرواحنا ، نستمع لأذان الصلاة ونتذكر معزوفة سقوط العصية على أيدي المكبرون وطيور أبابيلهم النتنة.
من يخبر طرابلس أن أنثى مهووسة بالكلمات وبالطرق والشط والهاني وبوسليم الأبية ، تعض على جرح الإغتراب وتغني بلا مبالة طفلة فقدت أطرافها للتو دون أن تشعر بألم ؟
لا شيء يصلح للفرح إلا بعض من أمل وصور تؤثث فجر المنفى بالصبر الجميل ، فور إندلاع الذكريات الليلية المريعة.
من يخبر طرابلس أني أجلس كل ليلة أتلمس أرصفة المنفى بحثاً عن خُطى تقودني إلى ياسمين شوارعها الغاصة بالرصاص ؟
السور العالي وأبا السيفين وشباب رائعين وصبايا ثائرات دون السيادة ، فُسيفساء جميلة وموجعة ، مترفة وقاتلة ، تمر من أمام جرحي ، تسكب شيء من ليمون مُر ثم تمضي مبتهجة إلى جنّات النّعيم وتتركنا للموت والرماد ونشرات الأخبار الدامية !
من يخبر طرابلس أنّ أروحنا أظلمت أكثر من لياليها الحالكة حيث السُّكارى والمهووسون وقُطّاع الطرق واللقطاء وكلاب الشوارع يتقاتلون من أجل غنائم شعرها الغجري المُعفّر بالتراب والدم وبقايا من أسوار باب العزيزية ، ومن يواري بعد خيبة الشهر الناقص جرح المسافة بأصابع التفاصيل المُقيتة وهي تستل قلبا مُزدحما بالوطن وترميه لقطة الحنين ؟
يا لسخف المراثي حين يعجز البوح عن استلال قصيدة ، حزينة وثائرة ، كوجه العقيد ذات سبتمبر !
إيمان سعد